كتب سيزر ساباس في افتتاح مقاله أن الحرب الأهلية بين أبرز فصيلين متنافسين في السودان، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تصاعدت منذ اندلاعها في أبريل 2023 لتتحول إلى كارثة إنسانية ومأساة جيوسياسية واسعة النطاق. وتواصلت حالة القلق الإقليمي والدولي مع تجاوز عدد القتلى 150 ألف شخص، ونزوح نحو 12 مليوناً من منازلهم، بينما واجه أكثر من 24 مليوناً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي.

 

أوضح الكاتب أن المقال نُشر عبر مودرن دبلوماسي، مع الإشارة إلى أن القتال لم يظهر مؤشرات حقيقية على التراجع، حيث فشلت محادثات السلام في البحرين والسعودية، وبدأت مليشيات مستقلة أصغر في شن هجمات، بينما أعلنت القوات المسلحة السودانية أنها لا تثق في التزام قوات الدعم السريع بأي هدنة. ورغم ذلك، شهد الأسبوع الماضي في 19 نوفمبر 2025 تطوراً لافتاً، عندما ناقش دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان دور الولايات المتحدة في صنع السلام بالمنطقة. وبعد الاجتماع أعلن ترامب: «سنعمل مع السعودية والإمارات ومصر وشركائنا الآخرين في الشرق الأوسط لإنهاء هذه الفظائع، وفي الوقت نفسه استقرار السودان»، في أقوى التزام أمريكي بحل الصراع منذ بدايته

 

جذور الصراع والفراغ السياسي

 

أدى الفراغ السياسي الذي نشأ بعد الإطاحة بعمر البشير عام 2019 وما تلاه من انقلابات متتالية إلى تغذية الصراع الحالي. وانقسمت القيادة العسكرية بين الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة، ومحمد حمدان دقلو «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، بعد خلافهما حول مستقبل البلاد واتجاهها السياسي. وسرعان ما تحولت هذه الخلافات إلى حرب أهلية مفتوحة.

في هذا السياق، لعبت كل من إيران وروسيا دوراً في تزويد الأطراف بالسلاح والمعدات العسكرية، مستفيدتين من حالة عدم الاستقرار، وفي الوقت نفسه ساعيتين إلى إيجاد موطئ قدم عسكري محتمل داخل السودان.

 

خريطة الطريق الرباعية للسلام

 

في المقابل، طورت ما تُعرف بدول «الرباعية» — الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات — خارطة طريق لإعادة السلام إلى السودان والمنطقة. وطرحت هذه الخطة في 12 سبتمبر، وقسمتها إلى ثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر. خلال هذه الفترة، يُفترض العمل على تثبيت وقف دائم لإطلاق النار، تمهيداً لمرحلة انتقالية مدتها تسعة أشهر تنتهي بتشكيل حكومة مدنية تقود البلاد.

 

تهدف الخطة إلى تسريع وصول المساعدات الإنسانية واحتواء تدفق اللاجئين إلى دول الجوار، مع إعادة بناء سلطة وطنية ذات شرعية سياسية. ويرى واضعو الخطة أن قيام حكومة مدنية معترف بها دولياً سيعيد الاستقرار السياسي، ويدعم خطط الاتحاد الإفريقي للتنسيق الإقليمي، ويمهّد لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية.

 

الدور الأمريكي وتصاعد الزخم الدبلوماس

 

أدى مستشار الولايات المتحدة للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، دوراً محورياً في بلورة مبادرة سلام تقودها واشنطن منذ الأول من أبريل، ثم تأسست في أواخر أكتوبر لجنة عمليات مشتركة لدول الرباعية، ساعدت وزارة الخارجية الأمريكية عبرها على دفع دبلوماسية مكوكية بين طرفي الصراع، والدعوة إلى فتح ممرات إنسانية.

 

وساهم بولس كذلك في تعزيز العلاقات الأمريكية السودانية، على غرار دوره في «اتفاق واشنطن» الذي أرسى سلاماً بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في يونيو. وزاد ولي العهد السعودي من الزخم الدولي عندما ناقش الملف السوداني مباشرة مع ترامب، الذي تعهد شخصياً بإنهاء الحرب، في تحول لافت في الدور الأمريكي داخل القارة الإفريقية.

 

تملك واشنطن أدوات ضغط حقيقية يمكنها تغيير موازين الصراع، تشمل العقوبات، والنفوذ الدبلوماسي، والقدرة على حشد شركاء من أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط. لذلك، ترى التحليلات أن التعاون الأمريكي السعودي يعزز فرص التوصل إلى تسوية شاملة يمكن أن تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة.

 

مصالح سياسية وسيناريو السلام

 

تركز السياسات الأمريكية على تقليص نفوذ الجماعات المرتبطة بطهران عبر العقوبات، بينما تعمل دول الرباعية على توحيد القوى الداعمة للاستقرار في تكتل واحد يضع مواجهة التطرف ضمن أولوياته. وفي الوقت نفسه، يدرك قادة الرباعية أن السودان غير المستقر، الذي يغذي العنف والهجرة والفوضى، يشكل تهديداً طويل الأمد للاستثمارات في الشرق الأوسط ولمشاريع التنمية التي تقودها الولايات المتحدة في إفريقيا.

 

يزداد هذا البعد أهمية مع موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، وهو ممر رئيسي للتجارة العالمية وسلاسل التوريد. ويحذر الكاتب من أن أي فراغ أمني في هذه المنطقة قد يفتح الباب أمام دول «انتهازية» مثل روسيا وإيران لترسيخ وجودها هناك.

 

وفي النهاية، يخلص المقال إلى أن السلام الحقيقي في السودان يحتاج إلى سيادة سودانية معززة، ومشاركة مجتمعية شاملة من مختلف الطبقات، وإخراج المليشيات والشبكات المتطرفة المدعومة من الخارج. كما يتطلب اتفاقاً واضحاً بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على إطار دستوري شرعي.

 

يشدد الكاتب على أن آليات التنفيذ ستفوق في أهميتها البيانات السياسية، وأن النجاح يعتمد على تنسيق أمريكي سعودي مستمر وخطة تفاوض محددة الأهداف والمعالم، إلى جانب تقديم حوافز واضحة للطرفين من أجل التوصل إلى حل وسط. ورغم بقاء الأمل هشاً، فإن التزام ترامب العلني، وتوافقه مع القيادة السعودية، يمثلان أقوى تطور دبلوماسي حتى الآن على طريق السلام في السودان.

 

https://moderndiplomacy.eu/2025/11/29/the-riyadh-washington-pact-a-new-dawn-for-sudan/